سورة الإسراء - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25)}
قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ} أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما، أو من غير ذلك من العقوق، أو من جعل ظاهر برهما رياء.
وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ} أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله: {فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً} وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى. قال سعيد بن المسيب: هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: الأواب: الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
وقال عبيد بن عمير: هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلاء ثم يستغفرون الله عز وجل. وهذه الأقوال متقاربة.
وقال عون العقيلي: الأوابون هم الذين يصلون صلاة الضحا. وفى الصحيح: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال». وحقيقة اللفظ أنه من آب يؤوب إذا رجع.


{وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)}
فيه ثلاث مسائل الأولى: قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم، ثم تصدق على المسكين وابن السبيل.
وقال عبن الحسين في قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}: هم قرابة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعطائهم حقوقهم من بيت المال، أي من سهم ذوى القربى من الغزو والغنيمة، ويكون خطابا للولاة أو من قام مقامهم. والحق في هذه الآية ما يتعين من صلة الرحم، وسد الخلة، والمواساة عند الحاجة بالمال، والمعونة بكل وجه.
الثانية: قوله تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ} أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق. قال الشافعي رضي الله عنه: والتبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. وهذا قول الجمهور.
وقال أشهب عن مالك: التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} وقوله:
{إِخْوانَ} يعني أنهم في حكمهم، إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار، ثلاثة أقوال. والاخوان هنا جمع أخ من غير النسب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}. وقوله تعالى: {وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} أي احذروا متابعة والتشبه به في الفساد. والشيطان اسم الجنس. وقرأ الضحاك {إخوان الشيطان} على الانفراد، وكذلك ثبت في مصحف أنس بن مالك رضي الله عنه.
الثالثة: من أنفق ماله في الشهوات زائدة على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر. ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الأصل أو الرقبه فليس بمبذر. ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد.


{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: وهو أنه سبحانه وتعالى خص نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها}. وهو تأديب عجيب وقول لطيف بديع، أي لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر الغنى والقدرة فتحرمهم. وإنما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض وعائق يعوق، وأنت عند ذلك ترجو من الله سبحانه وتعالى فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة السائل، فإن قعد بك الحال {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً}.
الثانية: في سبب نزولها، قال ابن زيد: نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأبى أن يعطيهم، لأنه كان يعلم منهم نفقة المال في فساد، فكان يعرض عنهم رغبة في الأجر في منعهم لئلا يعينهم على فسادهم.
وقال عطاء الخراساني في قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها} قال: ليس هذا في ذكر الوالدين، جاء ناس من مزينة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحملونه، فقال: {لا أجد ما أحملكم عليه} فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا، فأنزل الله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها}. والرحمة الفيء.
الثالثة: قوله تعالى: {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً} أمره بالدعاء لهم، أي يسر فقرهم عليهم بدعائك لهم.
وقيل: ادع لهم دعاء يتضمن الفتح لهم والإصلاح.
وقيل: المعنى {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ} أي إن أعرضت يا محمد عن إعطائهم لضيق يد فقل لهم قولا ميسورا، أي أحسن القول وأبسط العذر، وادع لهم بسعة الرزق، وقل إذا وجدت فعلت وأكرمت، فإن ذلك يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة. وكان عليه الصلاة والسلام إذا سئل وليس عنده ما يعطى سكت انتظارا لرزق يأتي من الله سبحانه وتعالى كراهة الرد، فنزلت هذه الآية، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئل وليس عنده ما يعطى قال: «يرزقنا الله وإياكم من فضله». فالرحمة على هذا التأويل الرزق المنتظر. وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة. و{قَوْلًا مَيْسُوراً} أي لينا لطيفا طيبا، مفعول بمعنى الفاعل، من لفظ اليسر كالميمون، أي وعدا جميلا، على ما بيناه. ولقد أحسن من قال:
إلا تكن ورق يوما أجود بها *** للسائلين فإنى لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي *** إما نوالي وإما حسن مردودي
تقول: يسرت لك كذا إذا أعددته.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10